قاضي طنجة: زواج القاصرات بالفاتحة بالمغرب سببه ثغرة قانونية
محمد نجيب البقاش
الخبر الذي أوردته الصحافة قبل يومين حول رجل التعليم الذي كان يعمد الى الزواج الشفاهي بقاصرات بقراءة الفاتحة فقط مستغلا فقرهن و جهل عائلاتهن ثم يعمد بعد ذلك الى الاختفاء عنهن ، لم يكن في الواقع خبرا غريبا .
فالرجل لم يعمل الا على استغلال ثغرة قانونية في مدونة الاسرة بطريقة ماكرة و هي الثغرة التي أبى المشرع المغربي إلا أن يعمقها كل خمس سنوات .
فمعلوم أن الأصل في الزواج هو توثيقه كتابة من طرف عدلين إلا أنه بصورة استثنائية سمح نفس المشرع للأنكحة المبرمة شفاهيا بالفاتحة قبل صدور المدونة سنة 2004 أن يتم رفع دعاوى بشأنها من طرف الزوجين أمام المحكمة حتى تثبت المحكمة زواجهما ليتم بعد ذلك توثيقه في محرر رسمي مكتوب .
لكن الذي حدث هو أن هذا الاستثناء أصبح هو الأصل . فبسبب تساهل المحاكم في سماع هذه الدعاوى ، فقد وجدها بعض ذوي النيات السيئة فرصة مواتية للالتفاف على أحكام مدونة الاسرة خاصة تلك المتعلقة بزواج القاصرات و الزواج بالتعدد.
فمعلوم أن المشرع المغربي وضع شروطا و إجراءات صارمة للإذن بتزويج قاصر و كذا الزواج بامرأة ثانية ، غير أن ما حدث هو أن الكثير من المتقاضين عوض سلوك هذه الإجراءات و الخضوع للشروط التي وضعها القانون في هذا الشأن حماية للبنت القاصر و المرأة عموما ، يبرمون زواجا بالفاتحة فقط ثم يتقدمون مباشرة امام المحكمة لتثبيت زواجهم الشفاهي هذا ،واضعين المحكمة أمام الأمر الواقع .
المشكلة أنه في الكثير من الأحيان عند تقديمهم لهذه الدعاوى تكون هذه الطفلة القاصر حامل فيزداد الوضع تعقيدا فتجد المحكمة نفسها مرغمة على مباركة هذا الزواج الغير المتكافئ و الذي تم إبرامه ضدا في القانون و ربما في انتهاك واضح لرضا الزوجة القاصر ، كل ذلك مراعاة منها أي المحكمة ،لذلك الجنين الذي سيرى النور قريبا .
الغريب هو أن هذه الحالات أصبحت تُطرح كثيرا على المحاكم و كان على المشرع أن يتدخل لإيقاف هذا النزيف بوضع حد للعمل بما يسمى “سماع دعوى الزوجية ” التي أضحت وسيلة تحايل على القانون ، و ذلك بمجرد انقضاء الخمس سنوات الاولى التي أرى أنها كانت كافية لتوثيق جميع الأنكحة الشفاهية التقليدية الموروثة التي أبرمت قبل صدور مدونة الاسرة سنة 2004 .
غير أن الذي حدث هو العكس ، فالمشرع مدد العمل بهذا الاستثناء أي ” سماع دعوى الزوجية” لخمس سنوات أخرى ثم بعدها لخمس سنوات أخرى كذلك فاتحا المجال لمزيد من الفوضى و اللاقانون التي تعرفها مؤسسة الزواج في المغرب .
صحيح أن القانون يتعين أن يكون متوافقا مع البيئة التي يريد أن ينظمها و أن يعكس مستويات الأخلاق السائدة فيه و كذا المقاييس المقبولة في السلوك الاجتماعي حتى لا يُواجَه بالرفض من قِبل المواطنين ، لكن الانسياق المفرط من قِبل المشرع وراء هذه المستويات و المقاييس خاصة إذا كانت متخلفة و لا تساعد على الضبط و النظام ،قد تؤدي به في الكثير من الأحيان إلى عكس النتيجة التي يريد.
إذ هنا عوض أن يكون دور المشرع هو التنظيم يصبح دوره هو تكريس الفوضى و اللانظام . فالقانون يجب أن يُنظَر إليه كقوة إيجابية تُستخدم كأداة للتقدم الاجتماعي و ليس للتقهقر الحضاري ، لذلك وجب على المشرع باعتباره جهة مستنيرة ، ألا يستسلم لطبائع الجماهير و عاداتهم الموروثة المتخلفة.
كان على المشرع المغربي كذلك أن يُجَرم كل زواج من هذا القبيل تم في خرق سافر للشروط و الإجراءات القانونية خاصة و أن أحد أطرافه طفلة قاصرة يجب حمايتها أو زوجة أولى يجب مراعاتها و احترام حقوقها المادية و المعنوية .
فحسب المذهب المالكي الذي يعتنقه المغرب ، لا يوجد ما يمنع من إنزال العقاب المادي على هؤلاء الذين تحايلوا على مدونة الاسرة و بالتالي اعتبار أفعالهم التي انتهكت مقتضيات مستنبطة من الفقه الاسلامي ، جريمة مُعاقَب عليها.
فالتجريم كان يطال أيضا مجال الاحوال الشخصية ، فقد ثبت أن الامام أشهب كان يعاقب بالسجن كل من يطلق زوجته و هي حائض ثم يرفض إرجاعها و ذلك حتى يمتثل للحكم القاضي بإرجاعها ، كما أن الفقهاء كذلك كانوا ينزلون العقاب المادي على كل من طلق ثلاثا في كلمة ، و روي عن الامام مالك أنه كان يقول بسجن من امتنع أن يحلف بعدم تطليقه زوجته إذا ما ادعت هذه الاخيرة أنه طلقها و أقامت شاهدا على ادعاءها ، كما أن زواج المتعة كان يُعاقب عليه بالعقوبة الموجعة و العالم بتحريمه تكون عقوبته أشد .
فكل هذه الاجتهادات المحسوبة على الفقه المالكي و غيرها كثير ، تبين الإمكانيات التي يسمح بها هذا المذهب العملي المنفتح لمواكبة ما يطرأ من مستجدات و لتنظيم و ضبط أكثر للمجتمع و تجريم كل تصرف يخل بنظامه عوض الاستسلام لعاداته و نزواته القديمة و الفوضوية المتخلفة.